فهذا مقال كنت قد كتبته منذ ما يقرب من خمس سنوات ، وكنت وقتها المشرف الشرعي لأحد المنتديات الذي كان يوجد به قسم لتعبير الروى ، فلاحظت وقتها أن بعض رواد هذا المنتدي يعطون الروى أكبر من حجمها ويستندون عليها في اعتقاد بعض الامور الغيبية بل ووصل الامر ببعضهم أن اعتمد علي الرؤي في اثبات الاحكام الشرعية
فكتبت هذا المقال وقتها محاولة مني لبيان الحق في هذه المسألة
رؤوس أقلام في الرؤى والأحلام
منزلة الرؤى في الإسلام
لا ينكر منزلة الرؤى في الإسلام إلا جاحد أو مكابر
كيف لا وقد قال فيها رسول الله صلي الله عليه وسلم ((لَمْ يَبْقَ مِنَ
النُّبُوَّةِ إِلَّا المُبَشِّرَاتُ» قَالُوا: وَمَا المُبَشِّرَاتُ؟ قَالَ: «الرُّؤْيَا
الصَّالِحَةُ»))
كيف لا وقد قال فيها النبي صلي الله عليه وسلم ((الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ
مِنَ اللَّهِ، وَالحُلْمُ مِنَ الشَّيْطَانِ))
كيف لا وقد قال فيها النبي صلي الله عليه وسلم ((إِذَا اقْتَرَبَ الزَّمَانُ
لَمْ تَكَدْ تَكْذِبُ، رُؤْيَا المُؤْمِنِ وَرُؤْيَا المُؤْمِنِ جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ
وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ»))
الرؤى ثلاث
تنقسم الرؤيا إلي ثلاثة أقسام::
قال رسول الله صلي الله عليه وسلم ((وَالرُّؤْيَا ثَلَاثَةٌ: الرُّؤْيَا
الْحَسَنَةُ بُشْرَى مِنَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَالرُّؤْيَا يُحَدِّثُ بِهَا الرَّجُلُ
نَفْسَهُ، وَالرُّؤْيَا تَحْزِينٌ مِنَ الشَّيْطَانِ، فَإِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ رُؤْيَا
يَكْرَهُهَا، فَلَا يُحَدِّثْ بِهَا أَحَدًا، وَلْيَقُمْ فَلْيُصَلِّ "))
ا: رؤيا من الله
2: رؤيا من الشيطان
3: رؤيا من حديث النفس
موقف الناس من الرؤى
الرؤى مثلها مثل أي قضيه انقسم الناس فيها إلي طرفان ووسط
1: بعض الناس غلا في الرؤى ورفعها فوق منزلتها وجعلها مصدر لتلقي الأحكام
الشرعية واعتقاد الأمور الغبيبه وهم الصوفية
ومن صار علي نهجهمم
2:والبعض الأخر فرطوا في حق الرؤى فأنكروها بالكلية واعتبرها كلها من
باب حديث النفس وهم الفلاسفة وبعض من تكلم في علم النفس
3: وقسم وسط فأثبتوا للرؤى
منزلتها ولم يعولوا عليها لا في الأحكام الشرعية ولا الأمور الغيبية وإنما قالوا
انها من باب البشارة والنذاره وهم أهل السنة
هل يعتمد علي الرؤى في إثبات الأحكام الشرعية؟؟
اتفق أهل العلم أن الرؤى لا يعول عليها في الأحكام الشرعية لا في كبيرها ولا صغيرها
وقد نقل الأمام النووي الاجماع في ذلك عن القاضي عياض في شرحه علي
مسلم
قلت وهذا ظاهر بين ولم يقل به احد من الأولين أو الآخرين من أهل السنة إنما قاله بعض المتصوفة الضالين
فإن الله عز وجل قد أكمل دينه فقال (( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت
عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا ))
والقول بأن الرؤى يثبت بها حكم شرعي يلزم منه نقص الشريعة والدين وهذا
أمر مقطوع ببطلانه
قلت وفي هذا الإجماع رد علي من حمل معني قوله صلي الله عليه وسلم ((رُؤْيَا
المُؤْمِنِ وَرُؤْيَا المُؤْمِنِ جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ))
علي أنها من الوحي إذ لو كان المعني كذلك للزم من كونها من الوحي الاستناد عليها
في الأحكام الشرعية وهذا باطل كما تقدم
لا يعلم الغيب الا الله
اختص الله عز وجل نفسه بعلم الغيب فلا يعلم الغيب ملك مقرب ولا نبي
مرسل ولا ولي صالح
قال تعالي ((وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ))
وقال تعالي ((قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ
إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ))
قال تعالي ((عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً
(26) إِلاَّ مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ
خَلْفِهِ رَصَداً))
اعتقاد الأمور الغيبية لا بد له من دليل شرعي عليه
إذا علمت أن الله هو وحده عالم الغيب فلا يجوز لك أن تعتقد أمر غيبيا
انه سيكون حتما إلا بدليل صحيح ثابت عن عالم الغيب وإلا كان اعتقادك هذا تقولا علي الله بغير علم واجتراء علي حدوده وما
اختص به نفسه من علم
((وأمور الغيب لا مجال للظنون والأوهام فيها، ولا مجال للتخرص ولا للعقليات
ولا للاجتهاد والرأي فيها؛ لأنها غيب،)) ناصر العقل / شرح الطحاويه
((والغيب لا سبيل إلى إدراكه إلا بالوحي، ولا يكون تمام التنزيه إلا في
إثبات قول الله وقول رسوله والتزام ما جاء في الكتاب والسنة.)) خالد المصلح شرح
الطحاويه
هل الرؤى دليل شرعي حتى يعتمد عليها في إثبات أمور غيبيه
قد تقدم القول بأن الرؤى ليست بدليل شرعي لذلك فهي لا يؤخذ منها الأحكام قد نقل الإمام النووي الإجماع علي ذلك كما تقدم
وبما أن الرؤى ليست دليل شرعي فلا يعتد بها في إثبات الأمور الغيبية
لان الأمور الغيبية تحتاج لإثباتها إلي دليل شرعي
قد تتواتر رؤيا معينه ولا تكون من الله
قد تتواتر الرؤى علي أمر معين ولا تكون من الله بل من الشيطان واقرب
مثال لهذا فتنة الحرم 1400 ولا يقال لماذا تتمسك بهذا المثال ؟ الجواب أن هذا ليس
تمسكا إنما هو دليل علي انه طالما وقع هذا الأمر ((تواتر رؤى علي باطل)) فهو دليل
علي جواز وقوعه ليس إلا.
مخالفة الجزم بوقوع أمر غيبي استناد الي رؤيا
إن الجازم بوقوع أمر غيبي مستندا في ذلك علي رؤيا قد وقع في الأتي ::
1: التقول علي الله بغير علم في علم اختص الله عز وجل به نفسه
2: الجزم بصدق الرؤى وأنها من الله وهذا لا سبيل له عليه
3: الجزم بصدق صاحب الرؤى وهذا لا سبيل له عليه أيضا((لا سيما في عالم
الانترنت))
4: الجزم بصحة تعبير المعبر وهذا أيضا لا سبيل لأحد عليه إذ لا معصوم إلا
الأنبياء
اهتم بأمر عقيدتك
إن الإيمان بالغيب من أصول الدين بل إن اغلب أركان الإيمان مندرجة تحت
الإيمان بالغيب كالإيمان بالملائكة والرسل السابقين والكتب المنزلة وعذاب القبر
ونعيمه والإيمان بعلامات الساعة من ظهور المهدي وخروج الدجال ونزول عيسي عليه
السلام وغير ذلك من الأمور الغيبية
فلا يجوز أن تعتقد بأمر غيبي انه كائن سواء مما سبق أو أي أمر غيبي أخر
ليس لك عليه دليل شرعي واعلم أن الله
سائلك عما اعتقدته من أمر الغيب بلا دليل فأحذر.
هذا ما يسره الله لي في هذه المسألة
جزاكم الله خيرا جميعا ووفقكم وسدد خطاكم وهداكم جميعا الي سبيل
الرشاد