recent
أخبار ساخنة

العذر بالجهل ...شبهة الاستدلال بقوله تعالي {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ} [التوبة: 6]

شبهات وردود


شبهة الاستدلال بقوله تعالي  {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ} [التوبة: 6]




يستدل بعض إخواننا الذين لا يعذرون بالجهل في أمور التوحيد بقوله تعالي {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ} [التوبة: 6]
ووجه استدلالهم بهذه الآية أن الله تعالي سماهم مشركين مع وصفهم بالجهل وأثبت لهم وصف الشرك قبل سماعهم القرآن الذي هو حجة الله تعالي علي العباد .
الرد علي هذه الشبهه
إعلم أخي الكريم أن هذا الاستدلال باطل من وجوه
الوجه الأول :
أن هذه الآية نزلت في كفار أصليين وهذا ليس محل البحث ،وإنما محل البحث في رجل ثبت له عقد الإسلام بيقين ثم وقع في الشرك جاهلا به أنه شرك  وشتان الفارق بين الاثنين ، فهذا يسمي عند العلماء قياس مع الفارق وهو قياس فاسد ، إذ كيف يقاس مسلم أشرك جاهلا بكافر أصلي .
الوجه الثاني :
أن هؤلاء المشركين المذكورين في الآية قد قامت عليهم الحجة ، وذلك بأن الكفار الأصليين يكفي في قيام الحجة عليهم مجرد سماعهم بالنبي صلي الله عليه وسلم ودعوته ، والدليل علي ذلك ما رواه مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلي الله عليه وسلم قال «وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَا يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ يَهُودِيٌّ، وَلَا نَصْرَانِيٌّ، ثُمَّ يَمُوتُ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ، إِلَّا كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ» مسلم 1/134/153
ففي هذا الحديث بين عليه الصلاة والسلام أن مجرد السماع به وبدعوته كاف في قيام الحجة علي الكافرين الأصليين .
إذا علمت ذلك فلك أن تعلم أن هذه الآية من سورة التوبة نزلت سنة تسع وهي من أواخر ما نزل علي النبي صلي الله عليه وسلم . فكيف يدعي مدعي أن هناك في هذا الوقت ـ سنة تسع ـ من كان لا يعلم ببعثة النبي صلي الله عليه وسلم  وبدعوته . كيف يوجد في جزيرة العرب من لا يعلم ببعثته  صلي الله عليه وسلم ، بعد اثنان وعشرون عاما من الدعوة . وبعد حروبهم مع النبي صلي الله عليه وسلم كغزوة بدر وأحد والاحزاب وغيرها .
إذا فالدعوي بأن هؤلاء لم تقم عليه الحجة دعوي لا دليل عليها بل هي منقوضة لاسيما وقد علمت أن قيام الحجة علي الكفار الأصليين يكفي فيها مجرد السماع فقط بالنبي صلي الله عليه وسلم وبدعوته
الوجه الثالث :
أن مشركو مكة والجزيرة قامت عليهم الحجة حتي قبل بعثة النبي صلي الله عليه وسلم وذلك ببلوغ دعوة إبراهيم وإسماعيل عليهما الصلاة والسلام إليهم ،  وليس هذا محل لبسط الأدلة علي ذلك ، ولكني سأستشهد بدليل واحد وهو ما رواه البخاري  في صحيحه عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا قَدِمَ مَكَّةَ، أَبَى أَنْ يَدْخُلَ البَيْتَ وَفِيهِ الآلِهَةُ، فَأَمَرَ بِهَا فَأُخْرِجَتْ، فَأُخْرِجَ صُورَةُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ فِي أَيْدِيهِمَا مِنَ الأَزْلاَمِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " قَاتَلَهُمُ اللَّهُ، لَقَدْ عَلِمُوا: مَا اسْتَقْسَمَا بِهَا قَطُّ "  البخاري 5/148/4288
فهم كانوا قد بلغتهم دعوة إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام ولذلك قال النووي رحمه الله تعالي في شرحه حديث (أبي وأباك في النار )
(وَفِيهِ أَنَّ مَنْ مَاتَ فِي الْفَتْرَةِ عَلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ الْعَرَبُ مِنْ عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ فَهُوَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ وَلَيْسَ هَذَا مُؤَاخَذَةٌ قَبْلَ بُلُوغِ الدَّعْوَةِ فَإِنَّ هَؤُلَاءِ كَانَتْ قَدْ بَلَغَتْهُمْ دَعْوَةُ إِبْرَاهِيمَ وَغَيْرِهِ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ صَلَوَاتُ اللَّهِ تَعَالَى وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ )
 شرح مسلم 3/79
اذا فلا حجة لإخواننا في استدلالهم بهذه الاية علي الوجه المذكور . ولله الحمد والمنه علي ما أنعم به والصلاة والسلام علي من بعثه رحمة للعالمين محمد وعلي اله وصحبه أجمعين

                                                           
                                                             كتبه / أحمد بن محمد بريقع


google-playkhamsatmostaqltradent